فصل: تفسير الآية رقم (248):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآية رقم (246):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)}
قوله عز وجل: {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل} الملأ أشراف القوم ووجوههم وأصله الجماعة من الناس لا واحد له من لفظه كالقوم والرهط {من بعد موسى} أي من بعد موت أي من بعد زمنه منه {إذ قالوا} يعني أولئك الملأ {لنبي لهم} اختلفوا في ذلك النبي فقي لهو يوشع بن نون بن أفرايم بن يوسف بن يعقوب وقيل هو شمعون بن صفية بن علقمة من ولد لاوي بن يعقوب وإنما سمي شمعون لأن أمه دعت الله أن يرزقها غلاماً فاستجاب الله لها فولدت غلاماً فسمته شمعون ومعناه سمع الله دعائي وتبدل السين بالعبرانية شيناً وقال أكثر المفسرين هو أشمويل بن يال وقيل: هو ابن هلفائي. قيل إنه من ولد هارون ومعرفة حقيقة ذلك النبي بعينه ليست مرادة من القصة إنما المراد منها الترغيب في الجهاد وذلك حاصل.
ذكر الإشارة إلى القصة:
كان سبب مسألة أولئك الملأ لذلك النبي أنه لما مات موسى عليه السلام خلف من بعده في بني إسرائيل يوشع بن نون يقيم فيهم أمر الله تعالى. ويحكم بالتوراة حتى قبضة الله تعالى. ثم خلف من بعده كالب بن يوقنا كذلك، ثم حزقيل كذلك، حتى قبضه الله تعالى فعظمت الأحداث بعده في بني إسرائيل ونسوا عهد الله حتى عبد وا الأصنام فبعث الله إليهم إلياس نبياً فدعاهم إلى الله تعالى، وكانت الأنبياء من بني إسرائيل من بعد موسى يبعثون إليهم ليجددوا ما نسوا من التوراة ويأمروهم بالعمل بأحكامها. ثم خلف من بعد إلياس اليسع فكان فيهم ما شاء الله تعالى ثم قبضة الله تعالى. ثم خلف من بعده خلوف وعظمت فيهم الخطايا وظهر لهم عدو يقال له البلثاثا وهم قوم جالوت وكانوا يسكنون ساحل البحر الروم بين مصر وفلسطين وهم العمالقة فظهروا على بني إسرائيل وغلبوا على كثير من أرضهم وسبوا كثيراً من ذراريهم وأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين غلاماً، فضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم ولقي بنو إسرائيل منهم بلاء وشدة ولم يكن لهم نبي يدبر أمرهم وكان سبط النبوة قد هلكوا كلهم إلا امرأة حبلى فحبسوها في بيت رهبة أن تلد جارية فتبدلها بغلام لما ترى من رغبة بني إسرائيل في ولدها وجعلت المرأة تدعو الله أن يرزقها غلاماً فولدت غلاماً فسمته أشمويل ومعناه بالعربية إسماعيل. تقول: سمع الله دعائي فلما كبر الغلام أسلمته لتعليم التوراة في بيت المقدس وكفله شيخ من علمائهم وتبناه فلما بلغ الغلام أتاه جبريل عليه السلام وهو نائم إلى جانب الشيخ وكان الشيخ لا يأمن عليه أحداً فدعاه جبريل بلحن الشيخ يا أشمويل! فقام الغلام فزعاً إلى الشيخ وقال: يا أبتاه رأيتك تدعوني فكره الشيخ أن يقول لا فيفزع الغلام فقال يا بني ارجع فنم فنام ثم دعاه الثانية فقال الغلام: دعوتني فقال: نم فإن دعوتك فلا تجبني فلما كانت الثالثة ظهر له: جبريل عليه السلام وقال له اذهب إلى قومك فبلغهم رسالة ربك فإن الله قد بعثك فيهم نبياً فلما أتاها كذبوه وقالوا به استعجلت بالنبوة ولم تنلك وقالوا له إن كنت صادقاً فابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله آية على نبوتك وإنما كان قوام أمر بني إسرائيل بالاجتماع على الملوك وطاعة أنبياءهم وكان الملك هو الذي يسير بالجموع والنبي هو الذي يقيم له أمره ويشير عليه ويرشده ويأتيه بالخبر من ربه.
قال وهب فبعث الله أشمويل نبياً فلبثوا أربعين سنة بأحسن حال ثم كان من أمر جالوت والعمالقة ما كان فذلك قوله تعالى: {إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله} جزم على جواب الأمر فلما قالوا له ذلك {قال} يعني قال النبي صلى الله عليه وسلم {هل عسيتم} هذا استفهام شك يقول لعلكم {إن كتب} أي فرض {عليكم القتال} يعني مع ذلك الملك {أن لا تقاتلوا} يعني لا تفوا بما قلتم وتجنبوا عن القتال معه {قالوا وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله}. فإن قلت ما وجه دخول أن والعرب لا تقول ما لك أن لا تفعل كذا ولكن تقول ما لك لا تفعل كذا. قلت دخول أن وحذفها لغتان صحيحان فالإثبات كقوله: {ما لك أن لا تكون مع الساجدين} والحذف كقوله: {ما لكم لا تؤمنون} وقيل معناه: وما لنا في أن لا نقاتل بحذف حرف الجر وقيل أن هنا زائدة ومعناه وما لنا لا نقاتل في سبيل الله {وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} أي أخرج من غلب عليهم من ديارهم فظاهر الكلام العموم وباطنه الخصوص لأن الذين قالوا لنبيهم ابعث ملكاً كانوا في ديارهم وأبنائهم وإنما أخرج من أسر منهم ومعنى الآية أنهم قالوا لنبيهم إنا إنما كنا تركنا الجهاد لأنا كنا ممنوعين في بلادنا لا يظهر علينا عدونا فأما إذا بلغ ذلك منا فنطيع ربنا في جهاد عدونا ونمنع نساءنا وأولادنا قال الله تعالى: {فلما كتب عليهم القتال} في الكلام حذف وتقديره فسأل الله ذلك النبي فبعث لهم ملكاً وكتب عليهم القتال فلما كتب عليهم القتال {تولوا} أي أعرضوا عن الجهاد وضيعوا أمر الله {إلا قليلاً منهم} يعني لم يتولوا عن الجهاد هم الذين عبروا النهر مع طالوت واقتصروا على الغرفة على ما سيأتي في قصتهم إن شاء الله تعالى {والله عليم بالظالمين} يعني هو عالم بمن ظلم نفسه حين خالف أمر ربه ولم يف بما قال.

.تفسير الآية رقم (247):

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)}
قوله عز وجل: {وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً} وذلك أن أشمويل سأل الله عز وجل أن يبعث لهم ملكاً فأتى بعصا وقرن فيه دهن القدس، وقيل له إن صاحبكم الذي يكون ملكاً يكون طوله طول هذه العصا وانظر إلى القرن الذي فيه الدهن فإذا دخل عليك رجل فنش الدهن في القرن فهو ملك بني إسرائيل فادهن رأسه بالدهن وملكه عليهم واسم طالوت بالعبرانية ساول بن قيس من سبط بنيامين بن يعقوب. وإنما سمي طالوت لطوله وكان أطول من جميع الناس برأسه ومنكبيه وكان طالوت رجلاً دباغاً يدبغ الأديم قاله وهب وقيل كان سقاء يستقي الماء على حمار فضلّ حماره فخرج يطلبه. وقال وهب: ضلت حمر لأبي طالوت فأرسله أبوه ومعه غلام في طلبها فمر على بيت أشمويل النبي فقال الغلام لطالوت لو دخلنا على هذا النبي فسألناه عن أمر الحمر ليرشدنا أو ليدعو لنا فدخلا عليه فبينما هما عنده يذكران له حاجتهما إذ نش الدهن في القرن فقام أشمويل فقاس طالوت بالعصا فكانت على طوله فقال لطالوت قرب رأسك فقربه إليه فدهنه بدهن القدس. وقال له: أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله تعالى أن أملكك عليهم فقال طالوت أوما علمت أن سبطي من أدنى أسباط بني إسرائيل قال: بلى قال فبأي آية قال بآية أنك ترجع وقد وجد أبوك حمره فكان كذلك ثم قال لبني إسرائيل إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً وقيل إنه جلس عنده وقال يا أيها الناس إن الله ملك طالوت فأتت عظماء بني إسرائيل إلى نبيهم أشمويل وقالوا له: ما شأن طالوت تملك علينا وليس هو من بيت النبوة ولا المملكة وقد عرفت أن النبوة في سبط لاوي بن يعقوب والمملكة في سبط يهوذا بن يعقوب فقال لهم نبيهم أشمويل إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً {قالوا أنى يكون له الملك علينا} أي من أين يكون له الملك وكيف يستحقه {ونحن أحق بالملك منه} إنما قالوا ذلك لأنه كان في بني إسرائيل سبطان سبط نبوة وسبط مملكة فسبط النبوة سبط لاوي بن يعقوب ومنه كان موسى وهارون عليهما السلام وسبط المملكة سبط يهوذا بن يعقوب ومنه كان داود وسليمان عليهما السلام ولم يكن طالوت من أحدهما. وإنما من سبط بنيامين بن يعقوب فلهذا السبب أنكروا كونه ملكاً لهم وزعموا أنهم أحق بالملك منه ثم أكدوا ذلك بقولهم {ولم يؤت سعة من المال} يعني أنه فقير والملك يحتاج إلى المال {قال} يعني أشمويل النبي {إن الله اصطفاه عليكم} أي اختاره عليكم وخصه بالملك وفي هذه الآية دليل على بطلان قوم من زعم من الشيعة أن الإمامة موروثة وذلك لأن بني إسرائيل أنكروا أن يكون ملكهم من لا يكون من بيت المملكة فرد الله عليهم وأعلمهم أن هذا شرط فاسد والمستحق للملك من خصه الله به {وزاده بسطة} أي فضيلة وسعة {في العلم} وذلك أنه كان من أعلم بني إسرائيل وقيل إنه أوحى إليه حين أوتي الملك وقيل هو العلم في الحرب {والجسم} يعني بالطول وذلك لأنه كان أطول من الناس برأسه ومنكبيه وقيل بالجمال وكان طالوت من أجمل بني إسرائيل وقيل المراد به القوة لأن العلم بالحروب والقوة على الأعداء مما فيه حفظ المملكة {والله يؤتى ملكه من يشاء} يعني أن الله تعالى لا اعتراض عليه لأحد في فعله فيحض بملكه من يشاء من عباده {والله واسع} يعني أن الله تعالى واسع الفضل والرزق والرحمة وسعت رحمته كل شيء ووسع فضله ورزقه كل خلقه والمعنى أنكم طعنتم في طالوت بكونه فقيراً والله واسع الفضل والرزق فإذا فوض إليه الملك فتح عليه أبواب الرزق والمال من فضله وسعته وقيل الواسع ذو السعة وهو الذي يعطي عن غنى {عليم} يعني أنه تعالى مع قدرته على إغناء الفقير عالم بما يحتاج إليه في تدبير نفسه وملكه والعليم هو العالم بما يكون وبما كان.

.تفسير الآية رقم (248):

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)}
قوله عز وجل: {وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت} وذلك أنه سألوا أشمويل النبي فقالوا ما آية ملكه فقال: إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت. وكانت قصة التابوت على ما ذكره علماء السير والأخبار أن الله تعالى أنزل على آدم عليه السلام تابوتاً فيه صور الأنبياء عليهم السلام وكان التابوت من خشب الشمشاد طوله ثلاثة أذرع في عرض ذراعين فكان عند آدم ثم صار إلى شيث ثم توارثه أولاد آدم إلى أن بلغ إبراهيم عليه السلام ثم كان عند إسماعيل لأنه كان أكبر أولاده ثم صار إلى يعقوب ثم كان في بني إسرائيل إلى أن وصل إلى موسى عليه السلام فكان يضع فيه التوراة ومتاعاً من متاعه ثم كان عنده إلى أن مات ثم تداوله أنبياء بني إسرائيل إلى وقت أشمويل وكان في التابوت ما ذكر الله تعالى وهو قوله: {فيه سكينة من ربكم} واختلفوا في تلك السكينة ما هي فقال علي بن أبي طالب: هي ريح خجوج هفافة لها رأسان ووجه كوجه الإنسان. وقال مجاهد: هي شيء يشبه الهرة له رأس كرأس الهرة وذنب كذنب الهرة وله جناحان، وقيل له عينان لهما شعاع وجناحان من زمرد وزبرجد، وكانوا إذا سمعوا صوته تيقنوا النصر، فكانوا إذ خرجوا وضعوا التابوت قدامهم، فإذا سار ساروا وإذا وقف وقفوا. وقال ابن عباس هي طشت من ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء وقال وهب هي روح من الله تعالى تتكلم إذا اختلفوا في شيء فتخبرهم ببيان ما يريدون. وقال عطاء بن أبي رباح هي ما يعرفون من الآيات التي يسكنون إليها وقال قتادة والكلبي هي فعلية من السكون أي طمأنينة من ربكم ففي أي مكان كان التابوت اطمأنوا وسكنوا إليه وهذا القول أولى بالصحة فعلى هذا كل شيء كانوا يسكنون إليه فهو سكينة فيحمل على جميع ما قيل فيه لأن كل شيء يسكن إليه القلب فهو سكينة ولم يرد فيه نص صريح فلا يجوز تصويب قول وتضعيف آخر.
وقوله تعالى: {وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون} يعني موسى وهارون أنفسهما بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري: «لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود» فالمراد به داود نفسه. واختلفوا في تلك البقية التي ترك آل موسى وآل هارون فقيل رضاض من الألواح وعصا موسى قاله ابن عباس وقيل عصا موسى وعصا هارون وشيء من ألواح التوراة وقيل كانت العلم والتوراة. وقيل كان فيه عصا موسى ونعلاه وعصا هارون وعمامته وقفيز من المن الذي ينزل على بني إسرائيل فكان التابوت عند بني إسرائيل يتوارثونه قرناً بعد قرن وكانوا إذا اختلفوا في شيء تحاكموا إليه فيتكلم ويحكم بينهم.
وكانوا إذا حضروا القتال قدموه بين أيديهم يستفتحون به على عدوهم فينصرون فلما عصوا وأفسدوا سلط الله عز وجل عليهم العمالقة فغلبوهم على التابوت وأخذه منهم وكان السبب في ذلك أنه كان لعيلى وهو الذي ربى أشمويل ابنان شابان وكان عيلى حبر بني إسرائيل وصاحب قربانهم في زمنه فأحدث ابناه في القربان شيئاً لم يكن فيه وذلك أنه كان منوط القربان الذي ينوطونه كلابين فما أخرجا كانا للكاهن الذي كانا ينوطه فجعل ابناه كلاليب. وكان النساء يصلين في بيت المقدس فيتشبثان بهن فأوحي إلى اشمويل: أن انطلق إلى عيلى وقل له منعك حب الولد من أن تزجر ابنيك عن أن يحدثا في قرباني وقدسي شيئاً وأن يعصياني فلأنزعن الكهانة منك ومن ولدك ولأهلكنك وإياهما. فأخبره أشمويل بذلك ففزع وسار إليهم عدوهم من حولهم فأمر عيلى ابنيه أن يخرجا بالناس فيقاتلا ذلك العدو فخرجا واخرجا معهما التابوت فلما تهيؤوا القتال جعل عيلى يتوقع الخبر فجاءه رجل فأخبره أن الناس قد انهزموا وقد قتل ابناه قال: فما فعل في التابوت قال أخذه العدو. وكان عيلى قاعداً على كرسيه فشهق ووقع على قفاه فمات فخرج أمر بني إسرائيل وتفرقوا إلى أن بعث الله طالوت ملكاً فسألوا أشمويل البينة على صحة ملك الطالوت فقال لهم نبيهم يعني أشمويل: إن الآية ملكه يعني علامة ملكة التي تدل على صحته أن يأتيكم التابوت وكانات قصة رجوع التابوت على ما ذكره أصحاب الأخبار أن الذين أخذوا التابوت من بني إسرائيل أتوا به قرية من قرى فلسطين يقال لها أزدود فجعلوه في بيت أصنام لهم ووضعوه تحت الصنم الأعظم فأصحبوا من الغد والصنم تحته فأخذوه ووضعوه فوقه وسمروا قدمي الصنم على التابوت فأصحبوا وقد قطعت يد الصنم ورجلاه وأصبح الصنم ملقى تحت التابوت وأصبحت أصنامهم منكسة فأخرجوا التابوت من بيت الأصنام ووضعوه في ناحية من مدينتهم فأخذ أهل تلك الناحية وجع في أعناقهم حتى هلك أكثرهم. فقال بعضهم لبعض أليس قد علمتم أن إله بني إسرائيل لا يقوم له شيء فأخرجوه إلى قرية أخرى فبعث الله على أهل تلك الناحية فأرة فكانت الفأرة تبيت مع الرجل فيصبح ميتاً قد أكلت ما في جوفه. فأخرجوه إلى الصحراء ودفنوه في مخرأة لهم فكان كل من تبرز هناك أخذه الباسور والقولنج فتحيروا فيه فقالت لهم امرأة من بني إسرائيل كانت عندهم وهي من بنات الأنبياء: لا تزالون ترون ما تكرهون ما دام هذا التابوت فيكم فأخرجوه عنكم. فأتوا بعجلة بإشارة تلك المرأة وحملوا عليها التابوت عن علقوها في ثورين وضربوا جنوبهما فأقبل الثوران يسيران ووكل الله بالثورين أربعة أملاك يسوقونهما فأقبلا حتى وقفا على أرض بني إسرائيل فكسرا نيريهما وقطعا حبالهما ووضعا التابوت في أرض فيها حصاد لبني إسرائيل ورجعا إلى أرضهما ما لم يرع بني إسرائيل إلا والتابوت عندهم فكبروا وحمدوا الله تعالى.
{تحمله الملائكة} أي تسوقه. وقال ابن عباس جاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت. وقال الحسن كان التابوت مع الملائكة في السماء فلما ولي طالوت الملك حملته الملائكة ووضعته بينهم. وقال قتادة بل كان التابوت في التيه خلفه موسى عند يوشع بن نون فبقي هناك فأقبلت الملائكة تحمله حتى وضعته في دار طالوت فأصبح في داره فأقروا بملكه {إن في ذلك لآية لكم} يعني قال لهم نبيهم أشمويل إن في مجيء التابوت تحمله الملائكة لآية لكم يعني علامة ودلالة على صدقي فيما أخبرتكم أن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً {إن كنتم مؤمنين} يعني مصدقين بذلك قال المفسرون فلما جاءهم التابوت وأقروا بالملك لطالوت تأهب للخروج إلى الجهاد فأسرعوا لطاعته وخرجوا معه.